Polaroid
Home
لا تجزع انما هو ابتلاء
لا يزالُ البلاءُ بالمؤمن من فقرٍ ومرضٍ، وخسائرَ في المال والزَّرعِ، وحوادثَ في السيارات، حتى يلقى اللهَ - تعالى - وليس عليه خطيئةٌ، فلن يسلمَ أحدٌ من المصائبِ، ولو كان وليًّا لله صالحًا؛ بل إنَّ أولياءَ الله وأحباءَه هم المعرَّضون للبلاءِ مع قربِهم من اللهِ تعالى, قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُبتلى المؤمن على قدرِ دينِه، فإنْ كان في دينِه شدةٌ وصلابةٌ، زِيد في بلائِه، وإنْ كان في دينِه رقَّةٌ، خفِّف عليه، وأشدُّ النَّاسِ بلاءً الأنبياءُ، ثم الأمثلُ فالأمثل)).فتعَزَّ؛ فلستَ في المصائب بأوحدَ، ولا يزال الناسُ تَعرَكُهم رَحَى الدُّنيا، فمن رضِيَ فله الرِّضا، ومَنْ سخِطَ فعلى نفسِه السُّخط، ولا يضرُّ إلا نفسَه, ويكفي أهلَ البلاءِ عزاءً ما رواه الترمذيُّ من حديثِ أبي هريرةَ - رضي الله عنه -: ((إذا رأى أهلُ العافيةِ ما لأهل البلاءِ من الأجرِ، تمنَّوْا لو أنَّ أجسادَهم قُرِضَتْ بالمقاريضِ)).لذلك أذكرُ لك: يُذكَرُ أنَّ امرأةً كانت تعيش مع ابنِها الوحيد في إحدى القرى، وهي تشعرُ بالسعادةِ والهناءِ مع ذلك الابنِ البارِّ، حتى جاءها ما كدَّرَ صفوَها، وأحزن نفسَها، حيث توفِّي ابنُها؛ ما حدا بها إلى الحزنِ الشَّديدِ، ولقوَّةِ مُصابِها كانت تحاولُ أنْ تخدعَ نفسَها؛ لتعيشَ حتى مع الأمانيِّ المستحيلةِ، فذهبتْ إلى حَكيمِ القريةِ تطلبُ منه الوصفةَ الضَّروريةَ؛ لتستعيدَ ابنَها الوحيدَ، وتُخبره أنَّها على أتمِّ الاستعدادِ لأنْ تضحِّي بحياتِها من أجل الحصولِ على هذه الوصفةِ، ولو كانت في أقصى الدنيا، أخذ الشيخُ الحكيمُ نفَسًا عميقًا، ثم شرَدَ بذهنِه، وقال: حسنًا، أحضري لي قليلاً من الشَّعيرِ، بشرطِ أنْ يكونَ من بيتٍ لَم يعرفِ الحزنَ مطلقًا, وبكلِّ همَّةٍ أخذت السيدةُ تدور على بيوتِ القريةِ تبحث عن هدفِها قليلاً من الشَّعير من بيتٍ لَم يعرف الحزنِ مطلقًا!. طرقتِ السيدةُ بابًا ففتحت لها امرأةٌ شابَّةٌ، فسألَتْها السيدةُ: هل عرَف هذا البيتُ حزنًا قط؟ فابتسمتِ المرأةُ بمرارةٍ، وقالت: وهل عرَف بيتي هذا غيرَ الحزن؟ ثم أدخلَتْها وأخذت تحكي لها عن قصةِ موتِ زوجِها قبل سنةٍ، وكيف كانت تحبُّه ويحبُّها، ولا تتوقَّعُ العيش بدونه، وكيف مات وترك لها أربعَ بناتٍ وابنينِ، ولا مصدرَ لإعالتِهم سوى بيعِ الأثاثِ الذي لَم يبقَ بالبيت منه شيءٌ، تأثَّرت السيدةُ تأثُّرًا كبيرًا، وحاولت أنْ تخفِّفَ عنها أحزانَها، وفي نهاية الزِّيارة صارتا صديقتينِ، فلم تذهبْ عنها إلا بعد أنْ وعدتْها بزيارةٍ أخرى.وقبل الغروب دخلت السيدةُ بيتًا آخرَ تبحثُ فيه عن ضالَّتِها، ولكن سرعان ما أصابها الإحباطُ بعد أن علمتْ من سيِّدةِ الدَّارِ أنَّ زوجَها مريض جدًّا، وليس عندها طعامٌ كافٍ لأطفالِها منذ فترة، وسرعان ما خطر ببالها أن تساعدَ هذه السيِّدة، فذهبتْ إلى السوقِ واشترَت بكلِّ ما معها من نقودٍ طعامًا ودقيقًا وزيتًا، ورجعت إلى تلك المرأةِ فأعطتها ذلك الطَّعامَ، وطلبت منها أيضًا أن تسمحَ لها بمساعدتِها في إعداد وجبةٍ سريعة لأولادِها، واشتركَت معها في إطعامِهم، ثم ودَّعتها على أملِ اللِّقاء في اليوم التالي.وفي المساء طرَقت أحد البيوت، فلم يُفتحْ لها، ثم طرقته مرة أخرى، ففتحت لها بنتٌ صغيرة، سألتْها: أين أمها؟ فأخبَرْتها أنَّ هذا البيتَ لا يوجَد فيه غيرُها، ثم دعاها الفضولُ لأنْ تسألَها: أين أمُّك؟ فأخبرتها أنَّ جميعَ أفراد عائلتِها غرِقوا في السَّيل الذي اجتاح قريتَهم خلف ذلك الجبلِ؛ حيث ماتت أمُّها ووالدُها، ولَم ينجُ إلا أخوها، لكنَّه كان في غاية التَّعبِ حين استطاع أن يتعلَّقَ بغصنِ شجرةٍ، ثم سقط بجانب السَّيلِ وقد أنهكه الإعياءُ، حتى جاءه الذِّئبُ فأكله، وأنا أنظر إليهم، ولَم أستطعْ أن أفعلَ شيئًا، كادت الأمُّ أن تبكي بصوتٍ مسموعٍ، إلا أنها حاولت أن تربطَ على قلب تلك البُنيَّةِ، وتصبِّرَها، ثم ودَّعتها وواعدتها أن تأتيها مرة أخرى، ولعلَّها أن تصحبَها لتعيش معها في بيتها.وفي صباح اليوم التالي أخذت تلك السيدةُ تطوف من بيتٍ إلى بيت تبحث عن ذلك الشَّعير، وطال بحثُها ولَم تجِدْ ذلك البيتَ، فكلُّ بيتٍ يحدِّثُها بمآسيه وفواجعِه الكثيرةِ والكبيرة، ولأنها كانت طيِّبةَ القلبِ؛ فقد كانت تحاول مساعدةَ كلِّ بيت تدخلُه في مشاكلِه وأفراحِه، وبمرور الأيام أصبحت السيدة صديقةً لكل بيتٍ في القرية، ونسِيَت تمامًا أنها كانت تبحث في الأصلِ عن قليل من الشَّعير، ذابتْ في مشاكلِ الآخرين ومشاعرِهم، ولَم تُدركْ قط أنَّ حكيمَ القرية قد منحها أفضلَ وصفةٍ للقضاء على الحزنِ؛ فهي وإن لَم تجدْ ذلك الشَّعيرَ علِمَت أنَّ هناك بيوتًا وعوائلَ أشدَّ منها فجيعةً وحزنًا.(في حال النقل من المادة نأمل الإشارة إلى كتاب (ولكن سعداء..) للكاتب أ. محمد بن سعد الفصّام، والمتوفّر في مؤسسة الجريسي للتوزيع)
الرجو و و ع